إن الأمن للإنسان أهم من طعامه وشرابه، فقد يجوع ويعطش فيصبر، ولكنه يخاف
فلا يكاد يهنأ براحة بال ولا يهدأ له حال . لقد جاء في القرآن الكريم
التأكيد على الأمن في مواضع عدة والذي يعنى السلامة والاطمئنان النفسي
وانتفاء الخوف على حياة الإنسان، وكذلك السنة النبوية كما في قوله صلى الله
عليه وسلم "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده عنده قوت يومه،
فكأنما حيزت له الدنيا" . قد يغفل عنها الإنسان وهي أنه أي الإنسان مهما
أوتي من نعمة فلن يشعر بالأمن الكامل ؟ لماذا لأن الأمن المطلق لا يوجد إلا
في دار النعيم، وفي سياق توضيحه للأمن يشير المؤلف إلى دعوة الرسول صلى
الله عليه وسلم إلى كل عمل يبعث الأمن والاطمئنان في نفوس المسلمين، ونهيه
عن كل فعل يبعث الخوف والرعب في جماعة المسلمين باعتبار أن الأمن نعمة من
أجل النعم على الإنسان . الشريعة الإسلامية والأمن الشامل:
يحتاج الفرد في حياته إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله وقد جعلت الشريعة الإسلامية الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها .
وفي نظرة سريعة مستمدة من أحكام الإسلام، فرق علماء المسلمين بين مطالب الحياة الضرورية، التي تهم الإنسان، وبين غيرها من حاجاته .
فأنزلوا الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، منزلة الضرورة التي لا تستقيم الحياة إلا بها .
وجعلوا
حاجات الإنسان التي تيسر حياته في مرتبة تالية وقد بلغ من عناية الشريعة
بحفظ هذه الضرورات للمسلم إلى أن حرمت على الشخص نفسه الاعتداء عليها،
فحرمت الردة وتعريض النفس للهلاك وارتكاب الفواحش، وتناول المسكرات
والمخدرات، وإضاعة المال، ومن أجل تحقيق أكبر قدر من الحماية لهذه
الضرورات، كان تشريع الحدود والقصاص للزجر والردع عن الجرائم التي تمس
الأفراد في أنفسهم وأبدانهم وأعراضهم وأموالهم . تكفل أحكام الشريعة، أن
يتمتع غير المسلم الذي يعيش في المجتمع المسلم بالأمن على حياته وماله
وعرضه، وهذه الحماية مستمرة سواء أكان من المعاهدين والمستأمنين أم من أهل
الذمة، ما داموا ملتزمين بالعهد مؤدين ما اشترطه الإسلام عليهم .
وهذه
الحقوق لغير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع المسلم لم تكن وليدة تطور
اجتماعي أو تقدم حضاري، ولكنها أساسية في القرآن الكريم والسنة النبوية
.ولم تقتصر الشريعة الإسلامية على حماية من يعيش في مجتمع مسلم وهي حالة
الذميين، وإنما تجاوزت ذلك إلى حماية المخالف في الدين، الذي يحضر إلى بلاد
المسلمين للعمل، أو التجارة أو لشأن من الشؤون المباحة . يحتل الأمن
مكاناً بارزاً بين أ لمهتمين والمسؤولين والمواطنين في المجتمع المعاصر،
لاتصاله بالحياة اليومية بما يوفره من طمأنينة النفوس وسلامة التصرف
والتعامل. كما يعتبر الأمن نعمة من نعم الله عز وجل التي منَّ بها على
عباده المؤمنين، فقد قال تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من
جوع وءامنهم من خوف)) لقد دعا إبراهيم عليه السلام ربه ﴿رب اجعل هذا البلد
آمنا وارزق أهله من الثمرات﴾ (البقرة:126). وكما قال تعالى في موضع آخر من
كتابه ﴿فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾
(قريش:4)فالأمن هو محور القضايا كلها في كل بلد وفي كل حضارة وأمة، والوصول
إلى حالة الأمن هو أعلى مؤشرات التحضر حيث يأمن الناس على أنفسهم وأموالهم
وعقولهم وأعراضهم ومعتقداتهم حتى أن الله عز وجل جعله مما يكرم به عباده
الصابرين في طريق الدعوة إليه كما قال ﴿وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾
(النور:55) وقد أشار مالك بن نبي عند تقريره لهذا المعيار من معايير
التحضر، إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي استنصره فيه الصحابة رضي
الله عنهم وأمرهم بالصبر وذكرهم بقصة أصحاب الأخدود ثم عقب متنبئا بمستقبل
الإسلام حيث قال: «والله ليسيرن الراكب من المدينة إلى حضرموت لا يخشى إلا
الله والذئب على غنمه» (أحمد:25959)، فمسألة الأمن من أخطر المسائل التي
تواجهنا في عصرنا هذا إذ أصبحت الأمة مستهدفة بمجموعها، وكان على شعوبها
بالدرجة الأولى والحركات الإسلامية بالدرجة الثانية أن تولي هذا الأمر
أولوية كبرى فكم من حركة إسلامية قد أسقطت الخطر الداخلي والخارجي من
حساباتها حتى إذا ضربت تزعزعت وزلزلت بما يكاد ينهيها وكم من حركة أسقطت
الخطر الخارجي من حساباتها حتى إذا أطلت برأسها في الحقل السياسي
والاجتماعي العام حتى نجدها إما دجنت وإما ردت على أعقابها خسرت كل شيء
وأكثر حركاتنا الإسلامية الحديثة لا يمكن حتى أن تحمي نفسها من أي عدو مهما
كان بسيطا بل وحتى تلك التي عمرها أكثر من قرنين تجد نفسها مستهدفة بشكل
مفتوح ومفضوح كحال حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهذا أيضا يسري على الدول
التي أصبحت عاجزة لا تسر صديقا و لا تخيف عدوا فإلى متى تبقى هذه الفجوة
في تفكيرنا السياسي والدعوي المعاصر؟ وحتى البيت الذي جعله الله عز وجل
آمنا وحماه من أبرهة الحبشي فيجب التفكير في أمنه بجد خاصة إذا كانت
المسؤولية جماعية فنحن نؤمن ونعلم كمسلمين أنه لن تموت نفس حتى تستكمل
رزقها وأجلها وأن الأرزاق بيد الله ولكن من أدرانا أنها ليست مشروطة بشروط
يجب علينا توفيرها؟ ألا نرى أن أكثر الذين يموتون بالمجاعات في العالم هم
من المسلمين؟ فهل هذا قضاء وقدر أم هو تقصير المسلمين؟ فكذلك شأن الأمن لا
يمكن بحال أن نتقاعس ونسرِّي على أنفسنا بقولة عبد المطلب "إن للبيت ربا
يحميه" بل لا بد من التفكير بجد في هذا، وخاصة لما بدأت بعض الدوائر
العنصرية في الغرب الربط بين الحج والإرهاب كما فعلت الصحف الفرنسية مؤخرا.
و «المثابة» بمعنى المرجع؛ أي يثوب الناس إليه، ويرجعون إليه من كل
أقطار الدنيا سواء ثابوا إليه بأبدانهم، أو بقلوبهم، فالذين يأتون إليه
حجاجاً، أو معتمرين يثوبون إليه بأبدانهم؛ والذين يتجهون إليه كل يوم
بصلواتهم يثوبون إليه بقلوبهم فإنهم لا يزالون يتذكرون هذا البيت في كل
يوم، وليلة؛ بل استقباله من شروط صحة صلاتنا. وقوله تعالى: { أمناً } أي
وجعلناه أمناً للناس؛ أي مكان أمن يأمن الناس فيه على دمائهم، وأموالهم -
حتى أشجار الحرم، وحشيشه آمن من القطع -. قوله تعالى: { واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلًّى } أي صيِّروا، واجعلوا؛ وفيها قراءتان؛ إحداهما: بفعل
الأمر: { اتخِذوا }؛ والثانية: بفعل الماضي: { اتخَذوا } أي: واتخذ الناس؛
وعلى الأولى: اتخذوا أنتم من مقام إبراهيم مصلًّى؛ و{ مِن } هنا لبيان
الجنس؛ ويجوز أن تُضمَّن «في»؛ يعني: واتخذوا في هذا المقام مكاناً للصلاة؛
و «المقام» مكان القيام؛ ويطلق إطلاقين: إطلاقاً عاماً - وهو مكان قيام
إبراهيم للعبادة -؛ وإطلاقاً خاصاً - وهو مقامه لبناء الكعبة
-الكعبة ـ
طبعاً للآية أعلاه ـ ملاذ وبيت آمن، والإِسلام وضع الأحكام المشددة بشأن
إبعاد هذه الأرض المقدسة عن كل نزاع واشتباك وحرب وإراقة دماء. وليس أفراد
البشر آمنين هناك فحسب، بل الحيوانات والطيور آمنة أيضاً في هذه البقعة،
ولا يحق لأحد أن يمسها بسوء.
وفي عالم يعجّ دوماً بالنزاع والصراع،
يستطيع مثل هذا المركز الآمن أن يكون له الأثر العميق في حل المشاكل وفضّ
النزاعات، إذ يستطيع الفرقاء المتنازعون أن يجلسوا حول طاولة واحدة عند هذا
البيت الآمن، ويفتحوا بينهم حواراً قد يكون مقدمة لإِزالة الخصومات
والنزاعات.
وقد يتفق أن ترغب الأطراف المتنازعة في إجراء مباحثات،
لكنهم لا يتفقون على مكان مقبول ومحترم وآمن لدى جميع الأطراف، والإِسلام
أقرّ مكة لتكون مركزاً كهذا. واليوم، إذ المسلمون ـ مع الأسف الشديد ـ
يعانون من ألوان النزاعات والإِختلافات حريّ بهم أن يستفيدوا من قداسة هذا
البيت وأمنه لفتح باب المحادثات بينهم، ولرفع ما بينهم من اختلافات بفضل
معنوية هذا المكان المقدس.(415)
أما السلام الاجتماعي فهو محك الإيمان
وأثر العقيدة الصحيحة وهو الحقل الإنمائي العام الذي يتميز فيه المؤمن
الصالح من غير الصالح. وفي سبيل تحقيق السلم والأمن في المجتمع هدم الإسلام
برج العصبية القبلية والعنصرية والجنسية وندد بالاعتزاز بالآباء والأجداد
وأقام الرابطة الإسلامية على أساس من الفضيلة والتقوى والمثل العليا، وحرم
التخاصم والتنازع والشحناء بين الجماعة الإسلامية، قال تعالى: «ولا تنازعوا
فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين». كما أن الإسلام حرم
أيضاً كل ما يكون ذريعة إلى التنازع أو يؤدي إلى الخصام وذلك مثل الغيبة
والنميمة والتجسس والتلصص والهمز واللمز والمبايعات الربوية والقماء
والاعتداء على الأموال والأنساب والأعراض والقذف والسباب والشتم. قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»، وقال: «لا
تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبعْ بعضكم على بيع
بعض، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا
يكذبه ولا يحقره. التقوى ههنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من
الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه».إن
للدولة والفرد هدفا واحدا وطريقا واحدا هو تحقيق الاستقرار والأمان، ولن
يتحقق أمن الدولة إلا باستقرار الدولة، ولن يتم استقرار الدولة إلا بتنفيذ
شريعة الله في الأرض والحفاظ على منهجه سبحانه وتعالى في الحياة، والعناية
بتطبيق تعاليم الإسلام كما أمر به تبارك وتعالى أنبيائه ورسله ليبلغوها
للعالمين للاقتداء به واتباعها أمن الدولة لا يتعلق فقط بأفرادها المسلمين
وإنما شمل كل الناس .. المسلم وغير المسلم، كما شمل أيضا علاقة هذه الدولة
الإسلامية بغيرها من الدول الأخرى الغير اسلامية .. علاقة تقوم على الحب
والخير والسلام والأمن والإخاء والتعاون المتبادل في جميع النواحي على أساس
متكامل متناسق، متوازن، وبذلك تساهم الدولة في تحقيق الرخاء لبلادها
وأفرادها، وتحقق الأمن الذي يمثل كيانها وتقدمها وازدهارها .
إن حرص
الدولة على إقامة العدل المطلق بين الناس جميعا، وتحقيق المساواة بينهم
وصيانة أموالهم وأعراضهم وحقوقهم، والقصاص من القاتل، ومحاربة المعتدى،
ومعاقبة السارق، والقضاء على المفسدين الذين يعبثون في الأرض إنما هو تحقيق
لمبادئ وتعاليم وتشريعات الإسلام .
إذن الإسلام يحقق للإنسان سلامه مع
نفسه والآخر ين، كما يحقق للدولة أمنها في علاقتها بأفرادها ، وعلاقتها مع
غيرها من الدول الأخرى، حيث يكون العدل بناء، والحق شريعة، والخير حياة،
والأمن هدفا نسعى إليه، والسلام أملا ننشد تحقيقه، وهذا إن دل على شئ،
فإنما يدل على أن للإسلام أثرا عظيما وشاملا في تحقيق استقرار الدولة التي
تسعى بدورها لتحقيق أمن الإنسان واطمئنانه على أهله وماله وبيته وعرضه،
وكافة حقوقه .. وبذلك يسود المجتمع التوازن الشامل، والتناسق العادل،
والأمن الكامل، والسلام المتكامل .
فلا يكاد يهنأ براحة بال ولا يهدأ له حال . لقد جاء في القرآن الكريم
التأكيد على الأمن في مواضع عدة والذي يعنى السلامة والاطمئنان النفسي
وانتفاء الخوف على حياة الإنسان، وكذلك السنة النبوية كما في قوله صلى الله
عليه وسلم "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده عنده قوت يومه،
فكأنما حيزت له الدنيا" . قد يغفل عنها الإنسان وهي أنه أي الإنسان مهما
أوتي من نعمة فلن يشعر بالأمن الكامل ؟ لماذا لأن الأمن المطلق لا يوجد إلا
في دار النعيم، وفي سياق توضيحه للأمن يشير المؤلف إلى دعوة الرسول صلى
الله عليه وسلم إلى كل عمل يبعث الأمن والاطمئنان في نفوس المسلمين، ونهيه
عن كل فعل يبعث الخوف والرعب في جماعة المسلمين باعتبار أن الأمن نعمة من
أجل النعم على الإنسان . الشريعة الإسلامية والأمن الشامل:
يحتاج الفرد في حياته إلى الأمن على نفسه ودينه وعرضه وماله وقد جعلت الشريعة الإسلامية الحفاظ على هذه الضروريات من أهم مقاصدها .
وفي نظرة سريعة مستمدة من أحكام الإسلام، فرق علماء المسلمين بين مطالب الحياة الضرورية، التي تهم الإنسان، وبين غيرها من حاجاته .
فأنزلوا الحفاظ على الدين والنفس والعقل والنسل والعرض والمال، منزلة الضرورة التي لا تستقيم الحياة إلا بها .
وجعلوا
حاجات الإنسان التي تيسر حياته في مرتبة تالية وقد بلغ من عناية الشريعة
بحفظ هذه الضرورات للمسلم إلى أن حرمت على الشخص نفسه الاعتداء عليها،
فحرمت الردة وتعريض النفس للهلاك وارتكاب الفواحش، وتناول المسكرات
والمخدرات، وإضاعة المال، ومن أجل تحقيق أكبر قدر من الحماية لهذه
الضرورات، كان تشريع الحدود والقصاص للزجر والردع عن الجرائم التي تمس
الأفراد في أنفسهم وأبدانهم وأعراضهم وأموالهم . تكفل أحكام الشريعة، أن
يتمتع غير المسلم الذي يعيش في المجتمع المسلم بالأمن على حياته وماله
وعرضه، وهذه الحماية مستمرة سواء أكان من المعاهدين والمستأمنين أم من أهل
الذمة، ما داموا ملتزمين بالعهد مؤدين ما اشترطه الإسلام عليهم .
وهذه
الحقوق لغير المسلمين الذين يعيشون في المجتمع المسلم لم تكن وليدة تطور
اجتماعي أو تقدم حضاري، ولكنها أساسية في القرآن الكريم والسنة النبوية
.ولم تقتصر الشريعة الإسلامية على حماية من يعيش في مجتمع مسلم وهي حالة
الذميين، وإنما تجاوزت ذلك إلى حماية المخالف في الدين، الذي يحضر إلى بلاد
المسلمين للعمل، أو التجارة أو لشأن من الشؤون المباحة . يحتل الأمن
مكاناً بارزاً بين أ لمهتمين والمسؤولين والمواطنين في المجتمع المعاصر،
لاتصاله بالحياة اليومية بما يوفره من طمأنينة النفوس وسلامة التصرف
والتعامل. كما يعتبر الأمن نعمة من نعم الله عز وجل التي منَّ بها على
عباده المؤمنين، فقد قال تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من
جوع وءامنهم من خوف)) لقد دعا إبراهيم عليه السلام ربه ﴿رب اجعل هذا البلد
آمنا وارزق أهله من الثمرات﴾ (البقرة:126). وكما قال تعالى في موضع آخر من
كتابه ﴿فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾
(قريش:4)فالأمن هو محور القضايا كلها في كل بلد وفي كل حضارة وأمة، والوصول
إلى حالة الأمن هو أعلى مؤشرات التحضر حيث يأمن الناس على أنفسهم وأموالهم
وعقولهم وأعراضهم ومعتقداتهم حتى أن الله عز وجل جعله مما يكرم به عباده
الصابرين في طريق الدعوة إليه كما قال ﴿وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾
(النور:55) وقد أشار مالك بن نبي عند تقريره لهذا المعيار من معايير
التحضر، إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي استنصره فيه الصحابة رضي
الله عنهم وأمرهم بالصبر وذكرهم بقصة أصحاب الأخدود ثم عقب متنبئا بمستقبل
الإسلام حيث قال: «والله ليسيرن الراكب من المدينة إلى حضرموت لا يخشى إلا
الله والذئب على غنمه» (أحمد:25959)، فمسألة الأمن من أخطر المسائل التي
تواجهنا في عصرنا هذا إذ أصبحت الأمة مستهدفة بمجموعها، وكان على شعوبها
بالدرجة الأولى والحركات الإسلامية بالدرجة الثانية أن تولي هذا الأمر
أولوية كبرى فكم من حركة إسلامية قد أسقطت الخطر الداخلي والخارجي من
حساباتها حتى إذا ضربت تزعزعت وزلزلت بما يكاد ينهيها وكم من حركة أسقطت
الخطر الخارجي من حساباتها حتى إذا أطلت برأسها في الحقل السياسي
والاجتماعي العام حتى نجدها إما دجنت وإما ردت على أعقابها خسرت كل شيء
وأكثر حركاتنا الإسلامية الحديثة لا يمكن حتى أن تحمي نفسها من أي عدو مهما
كان بسيطا بل وحتى تلك التي عمرها أكثر من قرنين تجد نفسها مستهدفة بشكل
مفتوح ومفضوح كحال حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهذا أيضا يسري على الدول
التي أصبحت عاجزة لا تسر صديقا و لا تخيف عدوا فإلى متى تبقى هذه الفجوة
في تفكيرنا السياسي والدعوي المعاصر؟ وحتى البيت الذي جعله الله عز وجل
آمنا وحماه من أبرهة الحبشي فيجب التفكير في أمنه بجد خاصة إذا كانت
المسؤولية جماعية فنحن نؤمن ونعلم كمسلمين أنه لن تموت نفس حتى تستكمل
رزقها وأجلها وأن الأرزاق بيد الله ولكن من أدرانا أنها ليست مشروطة بشروط
يجب علينا توفيرها؟ ألا نرى أن أكثر الذين يموتون بالمجاعات في العالم هم
من المسلمين؟ فهل هذا قضاء وقدر أم هو تقصير المسلمين؟ فكذلك شأن الأمن لا
يمكن بحال أن نتقاعس ونسرِّي على أنفسنا بقولة عبد المطلب "إن للبيت ربا
يحميه" بل لا بد من التفكير بجد في هذا، وخاصة لما بدأت بعض الدوائر
العنصرية في الغرب الربط بين الحج والإرهاب كما فعلت الصحف الفرنسية مؤخرا.
و «المثابة» بمعنى المرجع؛ أي يثوب الناس إليه، ويرجعون إليه من كل
أقطار الدنيا سواء ثابوا إليه بأبدانهم، أو بقلوبهم، فالذين يأتون إليه
حجاجاً، أو معتمرين يثوبون إليه بأبدانهم؛ والذين يتجهون إليه كل يوم
بصلواتهم يثوبون إليه بقلوبهم فإنهم لا يزالون يتذكرون هذا البيت في كل
يوم، وليلة؛ بل استقباله من شروط صحة صلاتنا. وقوله تعالى: { أمناً } أي
وجعلناه أمناً للناس؛ أي مكان أمن يأمن الناس فيه على دمائهم، وأموالهم -
حتى أشجار الحرم، وحشيشه آمن من القطع -. قوله تعالى: { واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلًّى } أي صيِّروا، واجعلوا؛ وفيها قراءتان؛ إحداهما: بفعل
الأمر: { اتخِذوا }؛ والثانية: بفعل الماضي: { اتخَذوا } أي: واتخذ الناس؛
وعلى الأولى: اتخذوا أنتم من مقام إبراهيم مصلًّى؛ و{ مِن } هنا لبيان
الجنس؛ ويجوز أن تُضمَّن «في»؛ يعني: واتخذوا في هذا المقام مكاناً للصلاة؛
و «المقام» مكان القيام؛ ويطلق إطلاقين: إطلاقاً عاماً - وهو مكان قيام
إبراهيم للعبادة -؛ وإطلاقاً خاصاً - وهو مقامه لبناء الكعبة
-الكعبة ـ
طبعاً للآية أعلاه ـ ملاذ وبيت آمن، والإِسلام وضع الأحكام المشددة بشأن
إبعاد هذه الأرض المقدسة عن كل نزاع واشتباك وحرب وإراقة دماء. وليس أفراد
البشر آمنين هناك فحسب، بل الحيوانات والطيور آمنة أيضاً في هذه البقعة،
ولا يحق لأحد أن يمسها بسوء.
وفي عالم يعجّ دوماً بالنزاع والصراع،
يستطيع مثل هذا المركز الآمن أن يكون له الأثر العميق في حل المشاكل وفضّ
النزاعات، إذ يستطيع الفرقاء المتنازعون أن يجلسوا حول طاولة واحدة عند هذا
البيت الآمن، ويفتحوا بينهم حواراً قد يكون مقدمة لإِزالة الخصومات
والنزاعات.
وقد يتفق أن ترغب الأطراف المتنازعة في إجراء مباحثات،
لكنهم لا يتفقون على مكان مقبول ومحترم وآمن لدى جميع الأطراف، والإِسلام
أقرّ مكة لتكون مركزاً كهذا. واليوم، إذ المسلمون ـ مع الأسف الشديد ـ
يعانون من ألوان النزاعات والإِختلافات حريّ بهم أن يستفيدوا من قداسة هذا
البيت وأمنه لفتح باب المحادثات بينهم، ولرفع ما بينهم من اختلافات بفضل
معنوية هذا المكان المقدس.(415)
أما السلام الاجتماعي فهو محك الإيمان
وأثر العقيدة الصحيحة وهو الحقل الإنمائي العام الذي يتميز فيه المؤمن
الصالح من غير الصالح. وفي سبيل تحقيق السلم والأمن في المجتمع هدم الإسلام
برج العصبية القبلية والعنصرية والجنسية وندد بالاعتزاز بالآباء والأجداد
وأقام الرابطة الإسلامية على أساس من الفضيلة والتقوى والمثل العليا، وحرم
التخاصم والتنازع والشحناء بين الجماعة الإسلامية، قال تعالى: «ولا تنازعوا
فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين». كما أن الإسلام حرم
أيضاً كل ما يكون ذريعة إلى التنازع أو يؤدي إلى الخصام وذلك مثل الغيبة
والنميمة والتجسس والتلصص والهمز واللمز والمبايعات الربوية والقماء
والاعتداء على الأموال والأنساب والأعراض والقذف والسباب والشتم. قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»، وقال: «لا
تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبعْ بعضكم على بيع
بعض، وكونوا عباد الله إخواناً. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا
يكذبه ولا يحقره. التقوى ههنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من
الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه».إن
للدولة والفرد هدفا واحدا وطريقا واحدا هو تحقيق الاستقرار والأمان، ولن
يتحقق أمن الدولة إلا باستقرار الدولة، ولن يتم استقرار الدولة إلا بتنفيذ
شريعة الله في الأرض والحفاظ على منهجه سبحانه وتعالى في الحياة، والعناية
بتطبيق تعاليم الإسلام كما أمر به تبارك وتعالى أنبيائه ورسله ليبلغوها
للعالمين للاقتداء به واتباعها أمن الدولة لا يتعلق فقط بأفرادها المسلمين
وإنما شمل كل الناس .. المسلم وغير المسلم، كما شمل أيضا علاقة هذه الدولة
الإسلامية بغيرها من الدول الأخرى الغير اسلامية .. علاقة تقوم على الحب
والخير والسلام والأمن والإخاء والتعاون المتبادل في جميع النواحي على أساس
متكامل متناسق، متوازن، وبذلك تساهم الدولة في تحقيق الرخاء لبلادها
وأفرادها، وتحقق الأمن الذي يمثل كيانها وتقدمها وازدهارها .
إن حرص
الدولة على إقامة العدل المطلق بين الناس جميعا، وتحقيق المساواة بينهم
وصيانة أموالهم وأعراضهم وحقوقهم، والقصاص من القاتل، ومحاربة المعتدى،
ومعاقبة السارق، والقضاء على المفسدين الذين يعبثون في الأرض إنما هو تحقيق
لمبادئ وتعاليم وتشريعات الإسلام .
إذن الإسلام يحقق للإنسان سلامه مع
نفسه والآخر ين، كما يحقق للدولة أمنها في علاقتها بأفرادها ، وعلاقتها مع
غيرها من الدول الأخرى، حيث يكون العدل بناء، والحق شريعة، والخير حياة،
والأمن هدفا نسعى إليه، والسلام أملا ننشد تحقيقه، وهذا إن دل على شئ،
فإنما يدل على أن للإسلام أثرا عظيما وشاملا في تحقيق استقرار الدولة التي
تسعى بدورها لتحقيق أمن الإنسان واطمئنانه على أهله وماله وبيته وعرضه،
وكافة حقوقه .. وبذلك يسود المجتمع التوازن الشامل، والتناسق العادل،
والأمن الكامل، والسلام المتكامل .