لما نشرت أبياتي الغزلية في إحدى مجموعات الواتسآب، أثار ذلك بعض زملائي الملتزمين
كونهم اعتادوا مني على الحماسيات ومدائح العلماء، ولم أطرق بابا للغزل قبل الأسابيع الماضية..
-مع تنبيه أنهم لا يستنكرون مني ذلك لمحظور شرعي يرونه، مجرد استنكار عاطفي للسبب المذكور-
وبعد أن نشرت أبياتي السابقة التي أدرجتها هنا مؤخرا، وهي:
جودي علي فقد أودى بيَ الوَمَقُ *** ولْتُنعشيني فإني في الهوى خَلِق
يا من ذوى الليلُ في أعماق مقلتها *** وما كسا الشمسَ إلا منكمُ الأَلَقُ
وبلِّلي ثغرَ محتاجٍ لِريقِكِ قد *** أمسى حشاهُ بنارِ الوَجْد يحترق
ضُمّيهِ نحوك قد أودى به قلقٌ *** فأمّنيه، وأنتِ الأمن والقلق
رفقا حنانيك بالمسكين إن له *** قلبًا ليؤذيه ثوبُ الخَزّ والوَرَق
مالي بعشقك والأشواقِ تمحصني؟ *** لولا البلاء على الإنسان ما خُلقوا!
أرسل إلي أحد زملائي في الطلب -وهو الأخ خلفان الشعيلي-:
أغرك الشعر أم حنّت لك العلل *** أزارك الشوق حتى ضاعت الحِيَل
قد كنتَ ترعى نجومَ الليل مُؤتلقا *** واليوم أنت على الأوهام تقتتل
أين السيوف وأين الخيل ما فعلت؟ *** أين الرماح؟ أجبني أيها البطل
هل كل ذلك قد ضيعتَ حرمته *** وجئت بالشعر فيه الحب والغزل
أهَنْتَ شعرك فاستغفر وتب علنا *** وعاتب النفس حتى يُغفر الزلل
إن الذي فعلت يمناك معصية *** وحدها السيف حتى تنزع المقل
نطبق الحد في دار الإمامة *** في ’معمورنا’، فبها الإسلام والمثل
’معمورنا’ يعني بها قرية "المعمور" وهي إحدى القرى بولاية بُهلا في السلطنة.
فرد عليه الأخ خالد الرحبي:
قل للذي ساءه التحنان والغزل *** ماذا يضيرك قول الحب يا رجل
إن كان كل بناء أصله حجر *** فالأصل يا سيدي في شعرنا الغزل
ورد الشاعر هلال الشيادي:
إن جف شعرك لا حب ولا غزل *** فما فؤادك إلا صخرة جبل
العشق ذنب ونسج الحب معصية *** وما أحيلاه هذا الذنب والزلل
أطلق يراعك في بحر الهوى سفنا *** تتيه عشقا فلا ترسو ولا تصل
غرد سليمان غرد واشدُ في وله *** إن الرموش سيوف واللوا مقل
والحب حرب ودمع الشوق ملحمة *** وأنت في الحرب ذاك الفارس البطل
ثم رد الأخ خلفان الشعيلي على الشاعرهلال:
قل للذي همه شعر به غزل *** أعلة فيك أم ضاقت بك النزل
أصار همك في الإسلام شقشقة *** ضاعت بها شيم بل ضاعت المثل
تقول لي بسلاح الحب مفتخرا *** فما فؤادك إلا صخرة جبل
أصار من لم يُقم للحب مملكة *** تلقى على جنبه الأوهام والنبل
ما كنت أحسب أن الرد يجعلني *** أسيرَ دمعيَ حتى ملني الملل
أبكي على أمة قد ضيعت شرفا *** وليس بين حناياها لها أمل
يا من قصدت طريقا للهوى طربا *** اجعل هواك لرب العرش يمتثل
أثر لسانك في الإسلام منطلقا *** واحمي حماه وإن ضاقت بك السبل
وقل لنفسك يا نفسي كفاك هوى *** كفاك حبا فإني اليوم مرتحل
فرد عليه الشاعر هلال الشيادي أيضا:
قل للشعيلي إذا ضاقت به السبل *** الحب بدر بنور الله يشتعل
ما ضر دينيْ إذا ما العشق ألهمني؟ *** قد كان كعبٌ وحسان وهم شعل
الدين حب وإيمان وروح هوى *** وقلب عشق بحب الله يغتسل
كل القلوب إذا مالت لعاشقها *** ففطرةَ الله كانتْ.. ما بها خلل
إلا الذين تخلوا عن جبلّتهم *** فلا فؤادٌ ولا حبٌ ولا غزل
كفكف دموعك إنا أمة وسط *** لا حرب نشعلها في الحب نعتدل
بانت سعاد أما أشجت محمدنا؟!! *** أم أن رهبنة في النفس تعتمل؟
ثق صاحبي أنني مهما جرى قلمي *** عشقا، ففي غمرة الأبطال لي ثقل
فلما رأيت المسألة طالت بينهما -وأنا صاحب الأبيات- وكأنني أتمثل ببيت المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها *** ويسهر الخلق جراها ويختصمُ
كتبت ردي حتى أختم السجال بينهما، وكان ذلك والحمدلله.
أما ردي فهو:
مالي بكلّ نكير غاظه كلمي؟ *** أنا الكليم أم المستنكر الوَجِلُ؟!
إذا تحمستُ قالوا " قلبه حجر " *** وإن تغزلتُ قالوا "غره الأمل"
ومن يريدُ رضاء الناس يلحقُه *** ذُلٌّ وَهَمّ، ويؤذي سمعه العَذُل
كُفُّوا فشعريَ مِن روحي أبوح به *** وليس تحكمه الأغراض والعلل
إذا تغزلتُ لي في الصالحين هدى *** فاسمع لـ’ناصرَ والشاريْ’، وهم مَثَل
وإن تحمستُ، لي في السيف شجو فتى *** فسكّنَ الحبرُ ما في الصدر يعتمل
فإن رضيتَ حماسي فهو مشتعل *** وإن أردتَ هيامي.. دونك الغزل
’ناصر’ هو الإمام أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني رحمه الله، أحد أبرز شعراء عمان المتأخرين -إن لم يكن أبرزهم- وكان أحد ثلاثة يقال لكل واحد منهم "عالم الشعراء وشاعر العلماء" لجمعهم بين غزارة واسعة في العلم، وتضلع وتمكن من الشعر، وله ديوان ضخم يحتوي جله على قصائد في الروحانيات والتضرعات، بجانب قصائد مدح وحماسة ووطنية، من أشهر قصائده النونية، ومطلعها:
تلك البوارق حاديهن مرنان *** فما لطرفك يا ذا الشجو وسنانُ
ولها ثلاث أخوات، ميمية ومطلعها:
معاهد تذكاري سقتك الغمائم *** ملثا متى يقلع تلته سواجم
وعينية ومطلعها:
ألا هل لداعي الله في الأرض سامع؟ *** فإني بأمر الله يا قوم صادع
ومقصورة ومطلعها:
تلك ربوع الحيّ في سفح النقا *** تلوح كالأخلال من رمس البلا
والحديث عنه يطول، ومن شاء فليبحث عنه في الشبكة وسيجد الكثير إن شاء الله.
وموضع استشهادي به أنه قال أبياتا غزلية معروفة، مطلعها:
فدى نفسي لبهكنة لعوب *** لهوت بها على لثم الشقيق.
’الشاري’ هو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن قيس الحضرمي رحمه الله، والشاري نسبة إلى "الشراة" وهم من باعوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله، واشتُهر باسم "الإمام الشاري" كونه أحد الشراة في القرن الخامس الهجري، وصلتُه بعمان وثيقة، حيث هي صلة دينية إذ كان من أتباع المذهب الإباضي -مذهب غالبية أهل عُمان حاليا، وكان سابقا منتشرا كذلك باليمن-.
له ديوان اسمه (السيف النقاد) يحوي جله على قصائد في الحماسة، كان كثيرا ما يستطلعها بالغزل، ثم ينتقل بعد ذلك إلى حماسة ملتهبة، حتى إنه كان يقال بأنه ما من أحدٍ قُرئ عليه ديوانه إلا تشوقت نفسُه للجهاد، إحدى مطالع قصائده:
برقة أنف أم بناظر أدعج *** سبتك سليمى أم بثغر مفلج
أأم هي لما اصفر صفو بياضها *** بصفرتها أضنتك أم بالتبهج
أم العنق السامي أم الجعد أذزها *** به الخد أم من خدها المتبلج
أم الكعب إِذ سامت سماواته العلا *** وتاه بصدر كالسجنجل أبلج
بل الكفل الرجاج بل هظم خصرها *** بل الفخذ اللفا وساق خدلج
ثم ينتقل بعد عدة أبيات فيقول:
لخيل إلى خيل تكر وحجفل *** إلى حجفل في حومة ذات مخرج
ونقع أراه فوقهم وحوائم *** تحوم ورايات تلوح كزبرج
بيوم إِذا انجلت من الشر عقدة *** به انعقدت أخرى بكف مفرَّج
كمثلك حشحاش فحشحش لظى الوغى *** أبا الفضل حشحشها أبا الفضل هيج
تأجّج أهج أجج فعجج عجاجة *** ولج لجج الهيجا اللجوج ولجج
المصدر: ستار تايمز
كونهم اعتادوا مني على الحماسيات ومدائح العلماء، ولم أطرق بابا للغزل قبل الأسابيع الماضية..
-مع تنبيه أنهم لا يستنكرون مني ذلك لمحظور شرعي يرونه، مجرد استنكار عاطفي للسبب المذكور-
وبعد أن نشرت أبياتي السابقة التي أدرجتها هنا مؤخرا، وهي:
جودي علي فقد أودى بيَ الوَمَقُ *** ولْتُنعشيني فإني في الهوى خَلِق
يا من ذوى الليلُ في أعماق مقلتها *** وما كسا الشمسَ إلا منكمُ الأَلَقُ
وبلِّلي ثغرَ محتاجٍ لِريقِكِ قد *** أمسى حشاهُ بنارِ الوَجْد يحترق
ضُمّيهِ نحوك قد أودى به قلقٌ *** فأمّنيه، وأنتِ الأمن والقلق
رفقا حنانيك بالمسكين إن له *** قلبًا ليؤذيه ثوبُ الخَزّ والوَرَق
مالي بعشقك والأشواقِ تمحصني؟ *** لولا البلاء على الإنسان ما خُلقوا!
أرسل إلي أحد زملائي في الطلب -وهو الأخ خلفان الشعيلي-:
أغرك الشعر أم حنّت لك العلل *** أزارك الشوق حتى ضاعت الحِيَل
قد كنتَ ترعى نجومَ الليل مُؤتلقا *** واليوم أنت على الأوهام تقتتل
أين السيوف وأين الخيل ما فعلت؟ *** أين الرماح؟ أجبني أيها البطل
هل كل ذلك قد ضيعتَ حرمته *** وجئت بالشعر فيه الحب والغزل
أهَنْتَ شعرك فاستغفر وتب علنا *** وعاتب النفس حتى يُغفر الزلل
إن الذي فعلت يمناك معصية *** وحدها السيف حتى تنزع المقل
نطبق الحد في دار الإمامة *** في ’معمورنا’، فبها الإسلام والمثل
’معمورنا’ يعني بها قرية "المعمور" وهي إحدى القرى بولاية بُهلا في السلطنة.
فرد عليه الأخ خالد الرحبي:
قل للذي ساءه التحنان والغزل *** ماذا يضيرك قول الحب يا رجل
إن كان كل بناء أصله حجر *** فالأصل يا سيدي في شعرنا الغزل
ورد الشاعر هلال الشيادي:
إن جف شعرك لا حب ولا غزل *** فما فؤادك إلا صخرة جبل
العشق ذنب ونسج الحب معصية *** وما أحيلاه هذا الذنب والزلل
أطلق يراعك في بحر الهوى سفنا *** تتيه عشقا فلا ترسو ولا تصل
غرد سليمان غرد واشدُ في وله *** إن الرموش سيوف واللوا مقل
والحب حرب ودمع الشوق ملحمة *** وأنت في الحرب ذاك الفارس البطل
ثم رد الأخ خلفان الشعيلي على الشاعرهلال:
قل للذي همه شعر به غزل *** أعلة فيك أم ضاقت بك النزل
أصار همك في الإسلام شقشقة *** ضاعت بها شيم بل ضاعت المثل
تقول لي بسلاح الحب مفتخرا *** فما فؤادك إلا صخرة جبل
أصار من لم يُقم للحب مملكة *** تلقى على جنبه الأوهام والنبل
ما كنت أحسب أن الرد يجعلني *** أسيرَ دمعيَ حتى ملني الملل
أبكي على أمة قد ضيعت شرفا *** وليس بين حناياها لها أمل
يا من قصدت طريقا للهوى طربا *** اجعل هواك لرب العرش يمتثل
أثر لسانك في الإسلام منطلقا *** واحمي حماه وإن ضاقت بك السبل
وقل لنفسك يا نفسي كفاك هوى *** كفاك حبا فإني اليوم مرتحل
فرد عليه الشاعر هلال الشيادي أيضا:
قل للشعيلي إذا ضاقت به السبل *** الحب بدر بنور الله يشتعل
ما ضر دينيْ إذا ما العشق ألهمني؟ *** قد كان كعبٌ وحسان وهم شعل
الدين حب وإيمان وروح هوى *** وقلب عشق بحب الله يغتسل
كل القلوب إذا مالت لعاشقها *** ففطرةَ الله كانتْ.. ما بها خلل
إلا الذين تخلوا عن جبلّتهم *** فلا فؤادٌ ولا حبٌ ولا غزل
كفكف دموعك إنا أمة وسط *** لا حرب نشعلها في الحب نعتدل
بانت سعاد أما أشجت محمدنا؟!! *** أم أن رهبنة في النفس تعتمل؟
ثق صاحبي أنني مهما جرى قلمي *** عشقا، ففي غمرة الأبطال لي ثقل
فلما رأيت المسألة طالت بينهما -وأنا صاحب الأبيات- وكأنني أتمثل ببيت المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها *** ويسهر الخلق جراها ويختصمُ
كتبت ردي حتى أختم السجال بينهما، وكان ذلك والحمدلله.
أما ردي فهو:
مالي بكلّ نكير غاظه كلمي؟ *** أنا الكليم أم المستنكر الوَجِلُ؟!
إذا تحمستُ قالوا " قلبه حجر " *** وإن تغزلتُ قالوا "غره الأمل"
ومن يريدُ رضاء الناس يلحقُه *** ذُلٌّ وَهَمّ، ويؤذي سمعه العَذُل
كُفُّوا فشعريَ مِن روحي أبوح به *** وليس تحكمه الأغراض والعلل
إذا تغزلتُ لي في الصالحين هدى *** فاسمع لـ’ناصرَ والشاريْ’، وهم مَثَل
وإن تحمستُ، لي في السيف شجو فتى *** فسكّنَ الحبرُ ما في الصدر يعتمل
فإن رضيتَ حماسي فهو مشتعل *** وإن أردتَ هيامي.. دونك الغزل
’ناصر’ هو الإمام أبو مسلم ناصر بن سالم البهلاني رحمه الله، أحد أبرز شعراء عمان المتأخرين -إن لم يكن أبرزهم- وكان أحد ثلاثة يقال لكل واحد منهم "عالم الشعراء وشاعر العلماء" لجمعهم بين غزارة واسعة في العلم، وتضلع وتمكن من الشعر، وله ديوان ضخم يحتوي جله على قصائد في الروحانيات والتضرعات، بجانب قصائد مدح وحماسة ووطنية، من أشهر قصائده النونية، ومطلعها:
تلك البوارق حاديهن مرنان *** فما لطرفك يا ذا الشجو وسنانُ
ولها ثلاث أخوات، ميمية ومطلعها:
معاهد تذكاري سقتك الغمائم *** ملثا متى يقلع تلته سواجم
وعينية ومطلعها:
ألا هل لداعي الله في الأرض سامع؟ *** فإني بأمر الله يا قوم صادع
ومقصورة ومطلعها:
تلك ربوع الحيّ في سفح النقا *** تلوح كالأخلال من رمس البلا
والحديث عنه يطول، ومن شاء فليبحث عنه في الشبكة وسيجد الكثير إن شاء الله.
وموضع استشهادي به أنه قال أبياتا غزلية معروفة، مطلعها:
فدى نفسي لبهكنة لعوب *** لهوت بها على لثم الشقيق.
’الشاري’ هو الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن قيس الحضرمي رحمه الله، والشاري نسبة إلى "الشراة" وهم من باعوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله، واشتُهر باسم "الإمام الشاري" كونه أحد الشراة في القرن الخامس الهجري، وصلتُه بعمان وثيقة، حيث هي صلة دينية إذ كان من أتباع المذهب الإباضي -مذهب غالبية أهل عُمان حاليا، وكان سابقا منتشرا كذلك باليمن-.
له ديوان اسمه (السيف النقاد) يحوي جله على قصائد في الحماسة، كان كثيرا ما يستطلعها بالغزل، ثم ينتقل بعد ذلك إلى حماسة ملتهبة، حتى إنه كان يقال بأنه ما من أحدٍ قُرئ عليه ديوانه إلا تشوقت نفسُه للجهاد، إحدى مطالع قصائده:
برقة أنف أم بناظر أدعج *** سبتك سليمى أم بثغر مفلج
أأم هي لما اصفر صفو بياضها *** بصفرتها أضنتك أم بالتبهج
أم العنق السامي أم الجعد أذزها *** به الخد أم من خدها المتبلج
أم الكعب إِذ سامت سماواته العلا *** وتاه بصدر كالسجنجل أبلج
بل الكفل الرجاج بل هظم خصرها *** بل الفخذ اللفا وساق خدلج
ثم ينتقل بعد عدة أبيات فيقول:
لخيل إلى خيل تكر وحجفل *** إلى حجفل في حومة ذات مخرج
ونقع أراه فوقهم وحوائم *** تحوم ورايات تلوح كزبرج
بيوم إِذا انجلت من الشر عقدة *** به انعقدت أخرى بكف مفرَّج
كمثلك حشحاش فحشحش لظى الوغى *** أبا الفضل حشحشها أبا الفضل هيج
تأجّج أهج أجج فعجج عجاجة *** ولج لجج الهيجا اللجوج ولجج
المصدر: ستار تايمز
