في الوقت الذي انتظر الجزائريون أن تصنع أول سيارة تحمل شعار ''صنع في
الجزائر'' في مصنع فرنسي أو ألماني، أو حتى صيني أو هندي، بعد أن طال
انتظار مشروع سيارة ''فاتيا''، نجح تلميذ لم يبلغ سن الرشد بعد في تحقيق
حلمه بركوب سيارة خرجت من مرآب بيته بالعاصمة.
عامان هي المدة التي
استغرقها الشاب عبد الرحيم كويني، 17 سنة، الذي يدرس في السنة الثانية
ثانوي شعبة علوم الطبيعة والحياة، لصناعة سيارته التي اختار لها نموذج
سيارة ''جيب'' البريطانية التي تتحدى الطبيعة وتسير في كل الطرقات الوعرة،
حتى إن كانت سرعة محركها القصوى أثناء السير لا تتجاوز 100 كيلومتر في
الساعة.
التقت ''الخبر'' عبد الرحيم في مرآب منزله بأحد أحياء بلدية
الشرافة في العاصمة، المكان الذي ولد فيه حلمه قبل سنتين وهو تلميذ في
السنة الرابعة متوسط. المكان أشبه بورشة في مصنع، أكثر ما شدّنا فيه مخططات
ملصقة على الجدران لنموذج سيارة، علمنا فيما بعد أنها مخططات اعتمد عليها
عبد الرحيم في تطوير فكرة سيارته، بينما أخذت السيارة ''كويني'' المساحة
الأكبر من المرآب، بعد أن أزاحت سيارة والده (اليابانية) التي يضطر لتركها
في الشارع.
الحلم بدأ من نافذة غرفة
وعن ميلاد فكرة سيارته، يقول عبد الرحيم: ''لطالما حلمت بركوب سيارة من صنع يدي، خاصة
أنني كنت أنام وأصحو على مشهد مئات السيارات الألمانية مركونة في موقف
لوكيل معتمد لإحدى الماركات العالمية بالقرب من بيتنا، كنت أشاهدها كل صباح
من نافذة غرفتي، وأقول في قرارة نفسي: ماذا ينقصنا في الجزائر لتكون لنا
سيارة جزائرية مائة بالمائة''.
ولأنه آمن بحلمه، بدأ عبد الرحيم
في الخطوات الأولى لتجسيد فكرة السيارة، فبدأ أولا بوضع المخططات الأولى،
ثم انطلق في جمع قطع الغيار التي لم تكن إلا قطعا حديدية عادية، فتحوّل
المرآب إلى ورشة حقيقة، يتحرك فيها أفراد العائلة بصعوبة.
وحول هذا،
تقول والدته، وهي أستاذة لغة عربية، معلقة: ''رغم أن عبد الرحيم أبدى منذ
صغره ولعا بالميكانيك والكهرباء والنجارة وكل الصناعات الحرفية، حتى أن
أبناء الحي يلجأون إليه لمساعدتهم، إلا أنني لم أظن يوما أنه سينجح في صنع
سيارة حقيقية، حتى أنني فكرت أكثر من مرة في التخلص في غيابه من كل
(الخردة) التي جمعها في مرآب البيت. لكن اليوم وأنا أرى حلمه يتحقق، أحمد
الله على أنني لم أفعل ذلك''.
مشروع الحي كله
وتحوّلت فكرة عبد
الرحيم إلى مشروع الحي بأكمله، فتابع أبناء الحي ولادة السيارة خطوة خطوة،
وأصبح عبد الرحيم يعرف في حي الكثبان الرملية في الشرافة بالعاصمة
بـ''مخترع الحي''، كما استقطب المرآب الفضوليين، حتى قبل أن يدور محرّك
السيارة.
وكان المحرك والعجلات القطع الوحيدة التي أخذها عبد الرحيم من
سيارة أخرى، حيث استعان بمحرك سيارة ''ار ''4 وعجلاتها، وتكفل بنفسه
بميكانيك السيارة وتركيب المحرك، وكذلك الأمر لتركيب قطع الغيار الأخرى
التي لم تكن إلا قطعا حديدية، قبل أن يتم تجريب السيارة أكثـر من مرة، قبل
دهنها استعدادا لتجريبها خارج البيت، رغم أن عبد الرحيم لا يحوز حتى رخصة
القيادة، فهو لم يبلغ الثامنة عشر بعد.
وفي السياق، تضيف الوالدة: ''في
هذه المرحلة، شاركنا جميعا مع عبد الرحيم، فتحوّل بيتنا إلى ورشة حقيقية،
وتحملنا رائحة الطلاء الذي غطى ملابسنا، فقط في سبيل رؤية السيارة التي
بقيت عامين مركونة في المرآب، تتحرك''. وبالفعل، تجسد حلم عبد الرحيم،
وتحركت سيارته التي تخطت حدود المرآب لتجوب حي الكثبان الرملية بالشرافة،
أمام تشجيع أبناء الحي.
وثائق السيارة أكبر مشكلة
غير أن السيارة
''الغريبة'' اصطدمت بمشكلة الوثائق، فهي نموذج غريب، دون لوحة ترقيم أو رقم
تسلسلي، وهذا ما سيحول دون تمكن عبد الرحيم من قيادة سيارته بعيدا عن حدود
بيته. وفي السياق، يقول عبد الرحيم: ''أحوز على براءة الاختراع من الملكية
الصناعية، لكنني أمام مشكل حقيقي في الحصول على وثائق السيارة لأتمكن من
قيادتها بشكل طبيعي''.
التخصص في ''الإلكتروميكانيك''
وإلى ذلك
الوقت، مازال أمام عبد الرحيم تحدّ آخر، هو نيل شهادة البكالوريا في شعبة
علوم الطبيعة والحياة بمعدل جيد، يؤهله لدراسة تخصص ''إلكتروميكانيك'' خارج
الوطن، ليطوّر مشروع سيارته ويطعمه بالدراسة والتكوين، للعودة إلى أرض
الوطن وتجسيد مشروع سيارة جزائرية لها كامل خصائص السيارة الحديثة، بأيد
عاملة جزائرية وقطع غيار محلية مائة بالمائة، انطلاقا من العجلات وصولا إلى
المحرك.
وهنا، يتدخل السيد كويني عبد القادر، والد عبد الرحيم: ''أتمنى
أن ينال عبد الرحيم شهادة البكالوريا بمعدل يؤهله لدخول معهد تقني متخصص،
ويسير على خطى أشقائه، فثلاث من شقيقاته تخصصن في الطب والصيدلة، فيما تدرس
الرابعة اللغة الإنجليزية، وآمل أن توصله المثابرة ليس فقط لتخطي عتبة
البكالوريا، بل ليبدع ويتميز ويدخل عالم المخترعين والنوابغ''.
أصغر مشارك في قافلة شريان الحياة
وقبل
أن نغادر بيت العائلة، شدّنا علم فلسطين الذي كان مثبتا في سقف المرآب.
وأنا أسأله عن سر وجوده، فاجأنا الأب أن عبد الرحيم كان أصغر مشارك في
قافلة شريان الحياة 2 التي زارت غزة، بعد أن تعذّر عليه المشاركة في أسطول
الحرية. فاهتمامات عبد الرحيم تجاوزت حدود مرآبه وسيارته ''كويني'' لتصل
عتبة أولى القبلتين التي حقق حلم زيارتها، ويتمنى العودة إليها مجدّدا، على
متن سيارته ربما.
الجزائر'' في مصنع فرنسي أو ألماني، أو حتى صيني أو هندي، بعد أن طال
انتظار مشروع سيارة ''فاتيا''، نجح تلميذ لم يبلغ سن الرشد بعد في تحقيق
حلمه بركوب سيارة خرجت من مرآب بيته بالعاصمة.
عامان هي المدة التي
استغرقها الشاب عبد الرحيم كويني، 17 سنة، الذي يدرس في السنة الثانية
ثانوي شعبة علوم الطبيعة والحياة، لصناعة سيارته التي اختار لها نموذج
سيارة ''جيب'' البريطانية التي تتحدى الطبيعة وتسير في كل الطرقات الوعرة،
حتى إن كانت سرعة محركها القصوى أثناء السير لا تتجاوز 100 كيلومتر في
الساعة.
التقت ''الخبر'' عبد الرحيم في مرآب منزله بأحد أحياء بلدية
الشرافة في العاصمة، المكان الذي ولد فيه حلمه قبل سنتين وهو تلميذ في
السنة الرابعة متوسط. المكان أشبه بورشة في مصنع، أكثر ما شدّنا فيه مخططات
ملصقة على الجدران لنموذج سيارة، علمنا فيما بعد أنها مخططات اعتمد عليها
عبد الرحيم في تطوير فكرة سيارته، بينما أخذت السيارة ''كويني'' المساحة
الأكبر من المرآب، بعد أن أزاحت سيارة والده (اليابانية) التي يضطر لتركها
في الشارع.
الحلم بدأ من نافذة غرفة
وعن ميلاد فكرة سيارته، يقول عبد الرحيم: ''لطالما حلمت بركوب سيارة من صنع يدي، خاصة
أنني كنت أنام وأصحو على مشهد مئات السيارات الألمانية مركونة في موقف
لوكيل معتمد لإحدى الماركات العالمية بالقرب من بيتنا، كنت أشاهدها كل صباح
من نافذة غرفتي، وأقول في قرارة نفسي: ماذا ينقصنا في الجزائر لتكون لنا
سيارة جزائرية مائة بالمائة''.
ولأنه آمن بحلمه، بدأ عبد الرحيم
في الخطوات الأولى لتجسيد فكرة السيارة، فبدأ أولا بوضع المخططات الأولى،
ثم انطلق في جمع قطع الغيار التي لم تكن إلا قطعا حديدية عادية، فتحوّل
المرآب إلى ورشة حقيقة، يتحرك فيها أفراد العائلة بصعوبة.
وحول هذا،
تقول والدته، وهي أستاذة لغة عربية، معلقة: ''رغم أن عبد الرحيم أبدى منذ
صغره ولعا بالميكانيك والكهرباء والنجارة وكل الصناعات الحرفية، حتى أن
أبناء الحي يلجأون إليه لمساعدتهم، إلا أنني لم أظن يوما أنه سينجح في صنع
سيارة حقيقية، حتى أنني فكرت أكثر من مرة في التخلص في غيابه من كل
(الخردة) التي جمعها في مرآب البيت. لكن اليوم وأنا أرى حلمه يتحقق، أحمد
الله على أنني لم أفعل ذلك''.
مشروع الحي كله
وتحوّلت فكرة عبد
الرحيم إلى مشروع الحي بأكمله، فتابع أبناء الحي ولادة السيارة خطوة خطوة،
وأصبح عبد الرحيم يعرف في حي الكثبان الرملية في الشرافة بالعاصمة
بـ''مخترع الحي''، كما استقطب المرآب الفضوليين، حتى قبل أن يدور محرّك
السيارة.
وكان المحرك والعجلات القطع الوحيدة التي أخذها عبد الرحيم من
سيارة أخرى، حيث استعان بمحرك سيارة ''ار ''4 وعجلاتها، وتكفل بنفسه
بميكانيك السيارة وتركيب المحرك، وكذلك الأمر لتركيب قطع الغيار الأخرى
التي لم تكن إلا قطعا حديدية، قبل أن يتم تجريب السيارة أكثـر من مرة، قبل
دهنها استعدادا لتجريبها خارج البيت، رغم أن عبد الرحيم لا يحوز حتى رخصة
القيادة، فهو لم يبلغ الثامنة عشر بعد.
وفي السياق، تضيف الوالدة: ''في
هذه المرحلة، شاركنا جميعا مع عبد الرحيم، فتحوّل بيتنا إلى ورشة حقيقية،
وتحملنا رائحة الطلاء الذي غطى ملابسنا، فقط في سبيل رؤية السيارة التي
بقيت عامين مركونة في المرآب، تتحرك''. وبالفعل، تجسد حلم عبد الرحيم،
وتحركت سيارته التي تخطت حدود المرآب لتجوب حي الكثبان الرملية بالشرافة،
أمام تشجيع أبناء الحي.
وثائق السيارة أكبر مشكلة
غير أن السيارة
''الغريبة'' اصطدمت بمشكلة الوثائق، فهي نموذج غريب، دون لوحة ترقيم أو رقم
تسلسلي، وهذا ما سيحول دون تمكن عبد الرحيم من قيادة سيارته بعيدا عن حدود
بيته. وفي السياق، يقول عبد الرحيم: ''أحوز على براءة الاختراع من الملكية
الصناعية، لكنني أمام مشكل حقيقي في الحصول على وثائق السيارة لأتمكن من
قيادتها بشكل طبيعي''.
التخصص في ''الإلكتروميكانيك''
وإلى ذلك
الوقت، مازال أمام عبد الرحيم تحدّ آخر، هو نيل شهادة البكالوريا في شعبة
علوم الطبيعة والحياة بمعدل جيد، يؤهله لدراسة تخصص ''إلكتروميكانيك'' خارج
الوطن، ليطوّر مشروع سيارته ويطعمه بالدراسة والتكوين، للعودة إلى أرض
الوطن وتجسيد مشروع سيارة جزائرية لها كامل خصائص السيارة الحديثة، بأيد
عاملة جزائرية وقطع غيار محلية مائة بالمائة، انطلاقا من العجلات وصولا إلى
المحرك.
وهنا، يتدخل السيد كويني عبد القادر، والد عبد الرحيم: ''أتمنى
أن ينال عبد الرحيم شهادة البكالوريا بمعدل يؤهله لدخول معهد تقني متخصص،
ويسير على خطى أشقائه، فثلاث من شقيقاته تخصصن في الطب والصيدلة، فيما تدرس
الرابعة اللغة الإنجليزية، وآمل أن توصله المثابرة ليس فقط لتخطي عتبة
البكالوريا، بل ليبدع ويتميز ويدخل عالم المخترعين والنوابغ''.
أصغر مشارك في قافلة شريان الحياة
وقبل
أن نغادر بيت العائلة، شدّنا علم فلسطين الذي كان مثبتا في سقف المرآب.
وأنا أسأله عن سر وجوده، فاجأنا الأب أن عبد الرحيم كان أصغر مشارك في
قافلة شريان الحياة 2 التي زارت غزة، بعد أن تعذّر عليه المشاركة في أسطول
الحرية. فاهتمامات عبد الرحيم تجاوزت حدود مرآبه وسيارته ''كويني'' لتصل
عتبة أولى القبلتين التي حقق حلم زيارتها، ويتمنى العودة إليها مجدّدا، على
متن سيارته ربما.