ايها المغتربون استمتعو اينما كنتم
الى اولائك الذين ابتعدوا عن اوطانهم صناعة للمستقبل
الى
الذين ضيعو ماضيهم وحاضرهم
الى الذين اوشكوا على الضياع في بلاد الغير
الى
الذين ضيعو ماضيهم وحاضرهم
الى الذين اوشكوا على الضياع في بلاد الغير
كم يذكــّرني بعض
المغتربين الذين يؤجلون سعادتهم إلى المستقبل، كم يذكــّرونني بسذاجتي
أيام الصغر، فذات مرة كنت استمع إلى أغنية كنا نحبها كثيرا أنا وأخوتي في
ذلك الوقت، فلما سمعتها في الراديو ذات يوم، قمت على الفور بإطفاء الراديو
حتى يأتي أشقائي ويستمعون معي إليها، ظناً مني أن الأغنية ستبقى تنتظرنا
داخل الراديو حتى نفتحه ثانية. ولما عاد أخي أسرعت إلى المذياع كي نسمع
الأغنية سوية، فإذا بنشرة أخبار.
إن حال الكثير من المغتربين أشبه بحال
ذلك المخلوق الذي وضعوا له على عرنين أنفه شيئاً من دسم الزبدة، فتصور أن
رائحة الزبدة تأتي إليه من بعيد أمامه، فأخذ يسعى إلى مصدرها، وهو غير مدرك
أنها تفوح من رأس أنفه، فيتوه في تجواله وتفتيشه، لأنه يتقصى عن شيء لا
وجود له في العالم الخارجي، بل هو قريب منه. وهكذا حال المغتربين الذين
يهرولون باتجاه المستقبل الذي ينتظرهم في أرض الوطن، فيتصورون أن السعادة
هي أمامهم وليس حولهم.
كم كان المفكر والمؤرخ البريطاني الشهير توماس
كارلايل مصيباً عندما قال: ” لا يصح أبداً أن ننشغل بما يقع بعيداً عن
نظرنا وعن متناول أيدينا، بل يجب أن نهتم فقط بما هو موجود بين أيدينا
بالفعل”.
لقد كان السير ويليام أوسلير ينصح طلابه بأن يضغطوا في
رؤوسهم على زر يقوم بإغلاق باب المستقبل بإحكام، على اعتبار أن الأيام
الآتية لم تولد بعد، فلماذا تشغل نفسك بها وبهمومها. إن المستقبل، حسب
رأيه، هو اليوم، فليس هناك غد، وخلاص الإنسان هو الآن، الحاضر، لهذا كان
ينصح طلابه بأن يدعوا الله كي يرزقهم خبز يومهم هذا. فخبز اليوم هو الخبز
الوحيد الذي بوسعك تناوله.
أما الشاعر الروماني هوراس فكان يقول قبل
ثلاثين عاماً قبل الميلاد: “سعيد وحده ذلك الإنسان الذي يحيا يومه ويمكنه
القول بثقة: أيها الغد فلتفعل ما يحلو لك، فقد عشت يومي”.
إن من أكثر
الأشياء مدعاة للرثاء في الطبيعة الإنسانية أننا جميعاً نميل أحياناً
للتوقف عن الحياة، ونحلم بامتلاك حديقة ورود سحرية في المستقبل- بدلاً من
الاستمتاع بالزهور المتفتحة وراء نوافذنا اليوم. لماذا نكون حمقى هكذا،
يتساءل ديل كارنيغي؟ أوليس الحياة في نسيج كل يوم وكل ساعة؟ إن حال بعض
المغتربين لأشبه بحال ذلك المتقاعد الذي كان يؤجل الكثير من مشاريعه حتى
التقاعد. وعندما يحين التقاعد ينظر إلى حياته، فإذا بها وقد افتقدها تماماً
وولت وانتهت.
إن معظم الناس يندمون على ما فاتهم ويقلقون على ما يخبئه
لهم المستقبل، وذلك بدلاً من الاهتمام بالحاضر والعيش فيه. ويقول دانتي في
هذا السياق:” فكــّر في أن هذا اليوم الذي تحياه لن يأتي مرة أخرى. إن
الحياة تنقضي وتمر بسرعة مذهلة. إننا في سباق مع الزمن. إن اليوم ملكنا وهو
ملكية غالية جداً. إنها الملكية الوحيدة الأكيدة بالنسبة لنا”.
لقد نظم
الأديب الهندي الشهير كاليداسا قصيدة يجب على كل المغتربين وضعها على
حيطان منازلهم. تقول القصيدة: “تحية للفجر، انظر لهذا اليوم! إنه الحياة،
إنه روح الحياة في زمنه القصير. كل الحقائق الخاصة بوجود الإنسان: سعادة
التقدم في العمر، مجد الموقف، روعة الجمال. إن الأمس هو مجرد حلم انقضى،
والغد هو مجرد رؤيا، لكن إذا عشنا يومنا بصورة جيدة، فسوف نجعل من الأمس
رؤيا للسعادة، وكل غد رؤيا مليئة بالأمل. فلتول اليوم اهتمامك إذن، فهكذا
تؤدي تحية الفجر”.
لمَ لا يسأل المغتربون عن أوطانهم السؤال التالي
ويجيبون عليه، لعلهم يغيرون نظرتهم إلى الحياة في الغربة: هل أقوم بتأجيل
الحياة في بلاد الاغتراب من أجل الاستمتاع بمستقبل هـُلامي في بلادي، أو من
أجل التشوق إلى حديقة زهور سحرية في الأفق البعيد؟
كم أجد نفسي مجبراً
على أن أردد مع عمر الخيام في رائعته (رباعيات): لا تشغل البال بماضي
الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان، واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع
الليالي الأمان.
المغتربين الذين يؤجلون سعادتهم إلى المستقبل، كم يذكــّرونني بسذاجتي
أيام الصغر، فذات مرة كنت استمع إلى أغنية كنا نحبها كثيرا أنا وأخوتي في
ذلك الوقت، فلما سمعتها في الراديو ذات يوم، قمت على الفور بإطفاء الراديو
حتى يأتي أشقائي ويستمعون معي إليها، ظناً مني أن الأغنية ستبقى تنتظرنا
داخل الراديو حتى نفتحه ثانية. ولما عاد أخي أسرعت إلى المذياع كي نسمع
الأغنية سوية، فإذا بنشرة أخبار.
إن حال الكثير من المغتربين أشبه بحال
ذلك المخلوق الذي وضعوا له على عرنين أنفه شيئاً من دسم الزبدة، فتصور أن
رائحة الزبدة تأتي إليه من بعيد أمامه، فأخذ يسعى إلى مصدرها، وهو غير مدرك
أنها تفوح من رأس أنفه، فيتوه في تجواله وتفتيشه، لأنه يتقصى عن شيء لا
وجود له في العالم الخارجي، بل هو قريب منه. وهكذا حال المغتربين الذين
يهرولون باتجاه المستقبل الذي ينتظرهم في أرض الوطن، فيتصورون أن السعادة
هي أمامهم وليس حولهم.
كم كان المفكر والمؤرخ البريطاني الشهير توماس
كارلايل مصيباً عندما قال: ” لا يصح أبداً أن ننشغل بما يقع بعيداً عن
نظرنا وعن متناول أيدينا، بل يجب أن نهتم فقط بما هو موجود بين أيدينا
بالفعل”.
لقد كان السير ويليام أوسلير ينصح طلابه بأن يضغطوا في
رؤوسهم على زر يقوم بإغلاق باب المستقبل بإحكام، على اعتبار أن الأيام
الآتية لم تولد بعد، فلماذا تشغل نفسك بها وبهمومها. إن المستقبل، حسب
رأيه، هو اليوم، فليس هناك غد، وخلاص الإنسان هو الآن، الحاضر، لهذا كان
ينصح طلابه بأن يدعوا الله كي يرزقهم خبز يومهم هذا. فخبز اليوم هو الخبز
الوحيد الذي بوسعك تناوله.
أما الشاعر الروماني هوراس فكان يقول قبل
ثلاثين عاماً قبل الميلاد: “سعيد وحده ذلك الإنسان الذي يحيا يومه ويمكنه
القول بثقة: أيها الغد فلتفعل ما يحلو لك، فقد عشت يومي”.
إن من أكثر
الأشياء مدعاة للرثاء في الطبيعة الإنسانية أننا جميعاً نميل أحياناً
للتوقف عن الحياة، ونحلم بامتلاك حديقة ورود سحرية في المستقبل- بدلاً من
الاستمتاع بالزهور المتفتحة وراء نوافذنا اليوم. لماذا نكون حمقى هكذا،
يتساءل ديل كارنيغي؟ أوليس الحياة في نسيج كل يوم وكل ساعة؟ إن حال بعض
المغتربين لأشبه بحال ذلك المتقاعد الذي كان يؤجل الكثير من مشاريعه حتى
التقاعد. وعندما يحين التقاعد ينظر إلى حياته، فإذا بها وقد افتقدها تماماً
وولت وانتهت.
إن معظم الناس يندمون على ما فاتهم ويقلقون على ما يخبئه
لهم المستقبل، وذلك بدلاً من الاهتمام بالحاضر والعيش فيه. ويقول دانتي في
هذا السياق:” فكــّر في أن هذا اليوم الذي تحياه لن يأتي مرة أخرى. إن
الحياة تنقضي وتمر بسرعة مذهلة. إننا في سباق مع الزمن. إن اليوم ملكنا وهو
ملكية غالية جداً. إنها الملكية الوحيدة الأكيدة بالنسبة لنا”.
لقد نظم
الأديب الهندي الشهير كاليداسا قصيدة يجب على كل المغتربين وضعها على
حيطان منازلهم. تقول القصيدة: “تحية للفجر، انظر لهذا اليوم! إنه الحياة،
إنه روح الحياة في زمنه القصير. كل الحقائق الخاصة بوجود الإنسان: سعادة
التقدم في العمر، مجد الموقف، روعة الجمال. إن الأمس هو مجرد حلم انقضى،
والغد هو مجرد رؤيا، لكن إذا عشنا يومنا بصورة جيدة، فسوف نجعل من الأمس
رؤيا للسعادة، وكل غد رؤيا مليئة بالأمل. فلتول اليوم اهتمامك إذن، فهكذا
تؤدي تحية الفجر”.
لمَ لا يسأل المغتربون عن أوطانهم السؤال التالي
ويجيبون عليه، لعلهم يغيرون نظرتهم إلى الحياة في الغربة: هل أقوم بتأجيل
الحياة في بلاد الاغتراب من أجل الاستمتاع بمستقبل هـُلامي في بلادي، أو من
أجل التشوق إلى حديقة زهور سحرية في الأفق البعيد؟
كم أجد نفسي مجبراً
على أن أردد مع عمر الخيام في رائعته (رباعيات): لا تشغل البال بماضي
الزمان ولا بآتي العيش قبل الأوان، واغنم من الحاضر لذاته فليس في طبع
الليالي الأمان.