لا ريب أن الصراع المحتدم
اليوم بين العرب وبين بعض الأمم، هو صراع حضاري في المقام الأول. وإذا
كانت الحضارة المعاصرة هي حضارة العلم والتقنية، فإن الفجوة الحادثة في
هذا السياق أبلغ من الإشارة إليها.
وتقع المكتبات ومرافق المعلومات في قلب نظام الاتصال العلمي، ذلك
النظام الذي يعني بتدفق المعلومات بين المستفيدين. وتعمل المكتبات هنا على
تيسير سُبل هذا التدفق. ومعنى ذلك أن دور المكتبات في المجتمع دور لا
يُنكر، في القديم والحديث، وفي كل المجتمعات بلا استثناء.
ومن الموضوعية بمكان الاعتراف بأن المكتبات العربية – على العموم – ليست
في أفضل حالاتها على الإطلاق، وأن ثمة ضعفًا واضحًا في الإفادة من هذه
المكتبات ومن مصادرها سواء التقليدية أو الإلكترونية. ولا يمكن رد ذلك في
الحقيقة إلى عاملٍ واحد. وإنما هي عوامل عديدة ومتشابكة. فلا يمكن أن
نغفل، على سبيل المثال، الأمية الأبجدية المنتشرة في ربوع العالم العربي،
والقلة الواضحة في الإنتاج الفكري العربي، وضعف الإقبال القرائي على هذا
القليل.
كما أننا لا يمكن أن نعفي من الاتهام ضعف النظام الإداري، وتخلف
النظام التعليمي من سفح الهرم إلى قمته، وتراجع النظام الإعلامي – على
العموم – عن القيام بواجباته في إشاعة الثقافة العلمية التي تدعو إلى
الأخذ بأسباب المنهج على مستوى الأفراد والجماعات. ولما كانت المكتبة
مؤسسة اجتماعية في الأساس، فلا ريب في تأثرها بهذه البيئة غير المشجعة على
الإفادة من المعلومات واستخدام المكتبات، ومن ثم على الابتكار والإبداع.
وكنتيجة لهذا التأثر، فربما يعود ضعف إقبال المستفيدين – في نمط
المكتبات الأكاديمية على سبيل المثال - إلى اعتماد التعليم على التلقين
والاستظهار، والاعتماد على ما يُسمى بالكتاب الدراسي كمصدر وحيد للتعلم
والتعليم، وعدم تشجيع أعضاء هيئة التدريس للطلاب على ارتياد المكتبة
والإفادة منها. من ناحية أخرى، فربما تكمن هذه الأسبـاب في المكتبة ذاتها؛
من حيث عدم حداثة مصادر المعلومات بها، أو محدودية خدمات المعلومات، أو
الضعف الكامن في تسويق هذه الخدمات، أو ضعف مهارات اختصاصيي المكتبات في
التعامل مع المستـفيدين ... إلى آخره.
ونخلص من ذلك، أن العلاقة فيما بين المجتمع – كيفما كان هذا المجتمع:
أكاديميًا أو مهنيًا أو زراعيًا – وبين المكتبة، علاقة طردية؛ تتأثر بمدى
العافية التي عليها كل من الطرفين.
ولا يمكن في هذه السطور القليلة طرح أوجه العلاج لسبل التواصل
المناسب بين المكتبات وبين المجتمع إن لم يكن هذا التواصل على ما يرام.
فهي أيضا كثيرة ومتشعبة. وحسبنا هنا الإشارة إلى بعض ما يمكن تقديمه من
قبل المكتبات للأخذ بأيدي المستفيدين للاستفادة من خدماتها ومصادرها؛
ونعني بذلك برامج محو الأمية المعلوماتية information literacy أو الثقافة
المعلوماتية أو التوعية المعلوماتية. ويعني محو الأمية المعلوماتية العمل
على توعية المستفيدين بالقدرات والمهارات التي تكفل لهم إدراك الحاجة إلى
المعلومات، وتحديد هذه المعلومات وتقييمها والإفادة منها بصورة فعالة.
وتقدم هذه البرامج على مستويات متدرجة وفقا لطبيعة المستفيدين، كما أنها
يمكن أن تُقدم بالمكتبة ذاتها، أو تُقدم عن طريق برامج التعلم عن بُعد على
شبكة الإنترنت، كما أنها يمكن أن تنصب على جميع الخدمات والمصادر المتاحة
بالمكتبة أو تختص – في بعض الأحيان- على خدمة أو مصدر واحد (كالبرامج
المخصصة فحسب لكيفية البحث عن مصادر المعلومات المتوافرة على الإنترنت
وأدوات هذا البحث وتقييم هذه المصادر والاستشهاد بها في الدراسات العلمية
... إلخ).
وفي حالة البرامج العامة، فإن المستفيد الذي يجتاز هذه البرامج
بنجاح، هو المستفيد الذي يدرك – في الوقت المناسب - مدى حاجته إلى
المعلومات، ومقدار هذه المعلومات، والتمكن من الوصول إلى هذه المعلومات
بطريقة فعالة، وتقييمها على أسس واضحة، وتضمينها في رصيده المعرفي his
knowledge base ، واستيعاب القضايا الاقتصادية والتشريعية والاجتماعية
والثقافية ذات الصلة بالإفادة من المعلومات، واستخدام المعلومات في الإطار
الأخلاقي والقانوني لها، والتمكن من تنظيم المعلومات – التي تم جمعها –
واختزانها ومعالجتها، وأخيرًا التسليم بأن محو الأمية المعلوماتية متطلب
رئيس من متطلبات التعلم مدى الحياة Lifelong learning. ويستخدم البعض الآن
مفهوم "محو الأمية المعرفية" knowledge literacy الذي يضيف إلى ما سبق:
المهارات ذات الصلة بتفسير المعلومات interpretation ، وإعادة إنتاج
المعلومات re-creation of information لصالح المؤسسة التي يعمل بها
المستفيد، وتوقع التغيرات المستقبلية التي يمكن حدوثها في هذه المؤسسة ...
إلى غير ذلك من المهارات المتقدمة.
ربما تكون برامج محو الأمية المعلوماتية، أو محو الأمية المعرفية، هي
أحد السبل التي ينبغي على المكتبات اتباعها ، لا لتوعية المستفيدين من
مصادرها وخدماتها فحسب، وإنما لتحقيق التواصل مع بيئة المعلومات في
المجتمع على العموم.
اليوم بين العرب وبين بعض الأمم، هو صراع حضاري في المقام الأول. وإذا
كانت الحضارة المعاصرة هي حضارة العلم والتقنية، فإن الفجوة الحادثة في
هذا السياق أبلغ من الإشارة إليها.
وتقع المكتبات ومرافق المعلومات في قلب نظام الاتصال العلمي، ذلك
النظام الذي يعني بتدفق المعلومات بين المستفيدين. وتعمل المكتبات هنا على
تيسير سُبل هذا التدفق. ومعنى ذلك أن دور المكتبات في المجتمع دور لا
يُنكر، في القديم والحديث، وفي كل المجتمعات بلا استثناء.
ومن الموضوعية بمكان الاعتراف بأن المكتبات العربية – على العموم – ليست
في أفضل حالاتها على الإطلاق، وأن ثمة ضعفًا واضحًا في الإفادة من هذه
المكتبات ومن مصادرها سواء التقليدية أو الإلكترونية. ولا يمكن رد ذلك في
الحقيقة إلى عاملٍ واحد. وإنما هي عوامل عديدة ومتشابكة. فلا يمكن أن
نغفل، على سبيل المثال، الأمية الأبجدية المنتشرة في ربوع العالم العربي،
والقلة الواضحة في الإنتاج الفكري العربي، وضعف الإقبال القرائي على هذا
القليل.
كما أننا لا يمكن أن نعفي من الاتهام ضعف النظام الإداري، وتخلف
النظام التعليمي من سفح الهرم إلى قمته، وتراجع النظام الإعلامي – على
العموم – عن القيام بواجباته في إشاعة الثقافة العلمية التي تدعو إلى
الأخذ بأسباب المنهج على مستوى الأفراد والجماعات. ولما كانت المكتبة
مؤسسة اجتماعية في الأساس، فلا ريب في تأثرها بهذه البيئة غير المشجعة على
الإفادة من المعلومات واستخدام المكتبات، ومن ثم على الابتكار والإبداع.
وكنتيجة لهذا التأثر، فربما يعود ضعف إقبال المستفيدين – في نمط
المكتبات الأكاديمية على سبيل المثال - إلى اعتماد التعليم على التلقين
والاستظهار، والاعتماد على ما يُسمى بالكتاب الدراسي كمصدر وحيد للتعلم
والتعليم، وعدم تشجيع أعضاء هيئة التدريس للطلاب على ارتياد المكتبة
والإفادة منها. من ناحية أخرى، فربما تكمن هذه الأسبـاب في المكتبة ذاتها؛
من حيث عدم حداثة مصادر المعلومات بها، أو محدودية خدمات المعلومات، أو
الضعف الكامن في تسويق هذه الخدمات، أو ضعف مهارات اختصاصيي المكتبات في
التعامل مع المستـفيدين ... إلى آخره.
ونخلص من ذلك، أن العلاقة فيما بين المجتمع – كيفما كان هذا المجتمع:
أكاديميًا أو مهنيًا أو زراعيًا – وبين المكتبة، علاقة طردية؛ تتأثر بمدى
العافية التي عليها كل من الطرفين.
ولا يمكن في هذه السطور القليلة طرح أوجه العلاج لسبل التواصل
المناسب بين المكتبات وبين المجتمع إن لم يكن هذا التواصل على ما يرام.
فهي أيضا كثيرة ومتشعبة. وحسبنا هنا الإشارة إلى بعض ما يمكن تقديمه من
قبل المكتبات للأخذ بأيدي المستفيدين للاستفادة من خدماتها ومصادرها؛
ونعني بذلك برامج محو الأمية المعلوماتية information literacy أو الثقافة
المعلوماتية أو التوعية المعلوماتية. ويعني محو الأمية المعلوماتية العمل
على توعية المستفيدين بالقدرات والمهارات التي تكفل لهم إدراك الحاجة إلى
المعلومات، وتحديد هذه المعلومات وتقييمها والإفادة منها بصورة فعالة.
وتقدم هذه البرامج على مستويات متدرجة وفقا لطبيعة المستفيدين، كما أنها
يمكن أن تُقدم بالمكتبة ذاتها، أو تُقدم عن طريق برامج التعلم عن بُعد على
شبكة الإنترنت، كما أنها يمكن أن تنصب على جميع الخدمات والمصادر المتاحة
بالمكتبة أو تختص – في بعض الأحيان- على خدمة أو مصدر واحد (كالبرامج
المخصصة فحسب لكيفية البحث عن مصادر المعلومات المتوافرة على الإنترنت
وأدوات هذا البحث وتقييم هذه المصادر والاستشهاد بها في الدراسات العلمية
... إلخ).
وفي حالة البرامج العامة، فإن المستفيد الذي يجتاز هذه البرامج
بنجاح، هو المستفيد الذي يدرك – في الوقت المناسب - مدى حاجته إلى
المعلومات، ومقدار هذه المعلومات، والتمكن من الوصول إلى هذه المعلومات
بطريقة فعالة، وتقييمها على أسس واضحة، وتضمينها في رصيده المعرفي his
knowledge base ، واستيعاب القضايا الاقتصادية والتشريعية والاجتماعية
والثقافية ذات الصلة بالإفادة من المعلومات، واستخدام المعلومات في الإطار
الأخلاقي والقانوني لها، والتمكن من تنظيم المعلومات – التي تم جمعها –
واختزانها ومعالجتها، وأخيرًا التسليم بأن محو الأمية المعلوماتية متطلب
رئيس من متطلبات التعلم مدى الحياة Lifelong learning. ويستخدم البعض الآن
مفهوم "محو الأمية المعرفية" knowledge literacy الذي يضيف إلى ما سبق:
المهارات ذات الصلة بتفسير المعلومات interpretation ، وإعادة إنتاج
المعلومات re-creation of information لصالح المؤسسة التي يعمل بها
المستفيد، وتوقع التغيرات المستقبلية التي يمكن حدوثها في هذه المؤسسة ...
إلى غير ذلك من المهارات المتقدمة.
ربما تكون برامج محو الأمية المعلوماتية، أو محو الأمية المعرفية، هي
أحد السبل التي ينبغي على المكتبات اتباعها ، لا لتوعية المستفيدين من
مصادرها وخدماتها فحسب، وإنما لتحقيق التواصل مع بيئة المعلومات في
المجتمع على العموم.