منتدى إحسان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى إحساندخول

موقع الدراسة الجزائري


descriptionالفطرة الإنسانية بين الاستقامة و الانحراف Emptyالفطرة الإنسانية بين الاستقامة و الانحراف

more_horiz
يكتسب التدين أهميته من كونه فطرة فطر الله عباده عليها ، وركزها في
نفوسهم ، فما من أحد من العالمين إلا ويجد ذلك من نفسه ،بحيث لا يستطيع
العيش بدونه إلا مع حرج وضنك ، وحاجة الإنسان إلى التدين أعظم من حاجته إلى
الطعام والشراب . ويكتسب التدين أهميته أيضا بالنظر إلى آثاره الإيجابية،
على الفرد والجماعة على حد سواء .
وقد تضافرت الدلائل الشرعية والحسية
على أن التدين فطرة فطر الله الناس عليها ، فمن أدلة الكتاب قول الحق
سبحانه: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم
ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين }
(الأعراف:172) قال جمع من المفسرين في معنى الآية : إن الله أخرج ذرية آدم
من صلبه ، وأمرهم بعبادته وأخذ عليهم الميثاق بذلك ، فهم وإن نسوا قصة
أخذه إلا أن حقيقته باقية في نفوسهم ، وهي ما يعبر عنه القرآن بالفطرة ،
كقوله سبحانه : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا
تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون } (الروم:30)
ومن أدلة السنة ما ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال : ( كل مولود يولد على الفطرة ) وفي صحيح مسلم عنعياض
بن حمار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله :
.. إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ،
وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا ) . ومعنى " الفطرة " في
الآية وفي حديث أبي هريرة هو التوحيد ، ومعنى " الحنفاء " في حديث عياض رضي
الله عنه : أي المائلين عن الشرك إلى التوحيد ، فقد اتفقت أدلة الكتاب
والسنة على أن التدين جِبِلَّةٌ إنسانية خُلقت مع الإنسان ووجدت بوجوده ،
إلا أن تنشئة الإنسان وتربيته - إن كانت على خلاف منهج الله وشرعه - تؤثر
سلبا على جبلة التدين وتنحرف بها عن مسارها الصحيح .
أما الشواهد الحسية
على ذلك ، فنلمسها من خلال : حاجة الإنسان إلى قوانين وأخلاق تنظم حياته ،
وتضبط سلوكه ، ليتميز بذلك عن سائر الحيوان، فإن الناس إما أن يعيشوا من
غير دين ينظم حياتهم ، ويضبط سلوكهم، وإما أن يتخذوا لهم من يشرّع لهم دينا
، وإما أن يكونوا على الدين الحق الذي جاءهم بالبينات والهدى ، فيكونوا
بذلك على وفاق مع فطرتهم التي فطروا عليها ، فتنتظم أمور حياتهم خير انتظام
، فإن اختاروا الأول عاشوا في بهيمية نكراء يأكل الضعيف منهم القوي ، وكان
اختلافهم ، وإن اختاروا الثاني فقد اختاروا العبودية لطائفة من البشر ،
تتسلط عليهم، وتذيقهم من ظلمها سوء العذاب ، فلم يبق إلا أن يحتكموا إلى
الدين الحق ليأخذوا منه شرائعهم ، ويبين لهم ما يحل لهم فيأتوه ، وما يحرم
عليهم فيجتنبوه ، وهنا تكمن قمة السعادة ، ولا سعادة حقيقية للإنسان - أي
إنسان - إلا باتباع الدين الذي ارتضاه الله لعباده بقوله : { إن الدين عند
الله الإسلام } (آل عمران: 19) فهو سبب فوزه وسعادته في الدنيا والآخرة ،
وفي الإعراض عنه خسران الدنيا والآخرة، قال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام
دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } (آل عمران:85).
ومن
الأمور الحسية التي تدل على أن التدين ضرورة إنسانية ، ما يحسه الإنسان في
نفسه من ضعف أمام بعض مظاهر الكون ، كالرياح العاتية ، والبحار الهائجة ،
والزلازل ، والبراكين ، فإن الإنسان مهما عظمت قوته ، وعظم ذكاؤه ، فإنه
يبقى ضعيفا أمام هذه الظواهر التي ابتلى الله بها عباده ، فيعلم الإنسان من
نفسه أن لا قدرة له على دفعها ، أو الاحتراز منها ، فمن هنا عظمت حاجة
الإنسان إلى إله يلجأ إليه ويتوكل عليه . وقد دأب البشر منذ القدم على تلمس
الآلهة لتحميهم من هذه الظواهر ولتدفع عنهم شرها ، فعبد قوم الشمس ظنا
منهم أنها الأقوى ، وعبد آخرون القمر،كما قال تعالى : { ويعبدون من دون
الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون
الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون }
(يونس:18) وقال أيضا : { ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من
السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون } (النحل:73) وهكذا تنقل الإنسان بين
مظاهر الطبيعة يعبد بعضها خوفا من البعض الآخر . ولعل مما يدل على هذه
الحقيقة - حقيقة حاجة النفس البشرية إلى إله يحميها ويدفع الشر عنها - قوله
تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى
البر أعرضتم وكان الإنسان كفورا } (الإسراء:67) فهؤلاء قوم مشركون ، عاينوا
الأهوال والمحن ، فانكشفت عنهم شبه الضلال ، وتساقطت آلهة الزيف ، وتجلت
في نفوسهم حقيقة الإله الحق ، فتقربوا إليه ، وسألوه النجاة والرحمة .
وينضم
إلى تلك الدلائل الشرعية والحسية ، في تقرير هذه القضية ما نشهده واقعاً
من الحياة التعيسة التي يحياها الملحدون ، فهم وإن تنعموا بملذات الدنيا
ونعيمها إلا أنهم فقدوا أغلى ما فيها وهو الإيمان بالله عز وجل ، فهم
يتقلبون في ظلمات الشك وبحار التيه النفسي ، ما يدفع بالكثيرين منهم إلى
التخلص من حياتهم - رغم بذخ عيشهم - وذلك بسبب ما يعيشونه من خواء روحي
مرير ، يجعل من الحياة - مهما توفرت لهم فيها سبل الراحة - أمرا لا يطاق ،
وصدق الله إذ يقول : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم
القيامة أعمى () قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً () قال كذلك أتتك
آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } ( طه : 124 - 126 ) .
وبهذا يتضح لك -
أخي الكريم - مدى التضافر والتآزر بين الأدلة الشرعية والنفسية والحسية
على أهمية التدين في حياة الإنسان ، والأمر إذا عظم شأنه، كثرت أدلته ،
وظهرت حججه ، واستعصت أن يدفعها دافع ، أو ينازع فيها منازع ، إمعانا في
إقامة الحجة على العباد ، وصدق الله العظيم إذ يقول : { والله غالب على
أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }.

descriptionالفطرة الإنسانية بين الاستقامة و الانحراف Emptyرد: الفطرة الإنسانية بين الاستقامة و الانحراف

more_horiz
مووضوع رائع كروعه كاتبـــه .
بارك الله فيك وفي عملك .
جزاك الله كل خير على المجهودات المبذولة من طرفك
الفطرة الإنسانية بين الاستقامة و الانحراف 611157
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد