يعيش الجزائريون هذه الأيام أجواء الاحتفال بالذكرى السادسة والأربعين لانطلاقة واحدة من أعظم ثورات القرن العشرين، ثورة افتك بها آباؤنا حريتهم واستقلالهم بعدما دفعوا الغالي والنفيس، ثم قادوا ثورات زراعية وصناعية وثقافية وسياسية واجتماعية، وأخرى ضد الجهل والأمية وضد الإرهاب والإجرام، على مدى عقود من الزمن في ظل الاستقلال والسيادة الوطنية.
تلك الثورات كلها لم تَخلُ من ثغرات، وأحدثت نعرات وفِتنًا بما في ذلك ثورة التحرير، كما ذهب ضحيتَها أجيال وأجيال من أجل أن ننعم نحن ومن يأتي بعدنا.. ومنها ثورات لا تزال مستمرة حتى اليوم وستتواصل لأنها تتطلب نفسا طويلا ووقتا أطول، ولأن قوى الشر أثبتت قدرتها على الأذى والصمود في وجه كل محاولات التغيير التي قادها أسلافنا..
عندما نسرد تاريخ الجزائر وكل التحديات التي رفعناها منذ عهد الاستعمار، يعتقد البعض بأننا انتهينا من كل شيء وحان موعد الحصاد، ولم تعد أمامنا تحديات وطموحات جديدة نسعى لرفعها. ولكن عندما نتمعن في واقع بلادنا وشبابنا ورياضتنا، نتيقن بأن هناك ثورات أخرى ما زالت تنتظرنا، لأن بلدا بحجم الجزائر وبالتضحيات التي قدمها عبر التاريخ، لا يمكنه أن يتوقف في منتصف الطريق ويبقى يتفرّج على حال هش متذبذب لا يبشر بخير، يعبث فيه البعض دون رقيب أو حسيب..
وعندما أتحدث عن الثورة لا أقصد الحرب بالمفهوم التقليدي للكلمة، وإنما أقصد ثورة التغيير في الذهنيات والقوانين والمسؤولين، وفي الاستراتيجيات والطموحات والأهداف، بحيث يشمل التغيير كل المستويات ذات الصلة بمجالات مريضة وموبوءة نملك فيها القدرات والإمكانيات للتألق، حتى نفسح المجال لجيل الاستقلال لكي يقرر مصيره بيده، ويختار المشروع الذي يريده، وبالكيفية التي يراها مناسبة.
الثورة التي أتحدث عنها تحارب الذهنيات التي تجاوزها الزمن في مجال الرياضة، وتلك التي لا تزال تعتقد بأنها على صواب وأنها تملك الحقيقة الكاملة، وأن الجيل الجديد لا يزال قاصرا وغير قادر على صناعة الحدث.
هذه الثورة المنشودة تحارب الهواية واللامبالاة، وترفع شعار الاحتراف والمستوى العالي في التفكير والممارسة.. إنها ثورة نقدّر ونوقر فيها الكبار وكل الذين صنعوا مجد الرياضة الجزائرية ونضعهم فوق رؤوسنا، ولكننا أيضا نفتح فيها المجال للجيل الجديد من الشبان المؤطرين والمدربين والرياضيين ليستلموا المشعل ويتحملوا المسؤوليات على كل المستويات، لأن متطلبات العهد الجديد وتركيبة المجتمع الجزائري الشابة تفرض علينا ذلك، فالجيل الحالي من الرياضيين يحتاج إلى ممارسة من مستوى آخر، وإلى معاملة من نوع آخر.. تتفهم ظروفه وقدراته وحاجياته ومتطلبات المرحلة الحالية.
إنها ثورة لإعادة النظر في بعض القوانين والتشريعات التي تحكم منظومتنا الرياضية وحركتنا الجمعوية، لأنها لم تعد تواكب العهد الجديد رغم تغييرها أربع مرات منذ الاستقلال، إلا أن هذا التغيير كان يتم على مقاس الحكومات والوزراء بعيدا عن خصائص الواقع ومتطلبات العصر، وبعيدا عن المقاييس والمعايير العلمية المعمول بها عند الآخرين.
إنها ثورة على مسيرين ومؤطرين صنعوا أمجادهم على حساب الرياضة والرياضيين، واغتنوا بفضل مناصبهم وكانوا وراء كل مصائب الحركة الرياضية وإخفاقاتها، ولم يجدوا في طريقهم سلطات توقفهم عند حدهم وتراقب تلاعبهم بأموال الخزينة العمومية والمؤسسات الوطنية و"السبونسورينغ" وبيع وشراء اللاعبين ومختلف المداخيل..
ثورة تتحالف فيها الكفاءة مع النيات الصادقة والإمكانيات اللازمة والطموحات الكبيرة لإعطاء الجيل الجديد فرصة التألق وإثبات الوجود، ولمحاربة الفساد وسوء التسيير في مجال الرياضة.. ثورة ترفع شعار العلم في خدمة الموهبة، وتتجاوز مرحلة الشرعية الثورية والتاريخية والجهوية إلى شرعية الكفاءة والوطنية.
ثورة عنوانها: الممارسة الرياضية حق لجميع الأطفال والشبان في الشارع والمدرسة والجامعة والجمعيات الرياضية، ولكنها تفرق بين الرياضة للجميع كممارسة وبين رياضة المستوى العالي كوسيلة لإثبات الوجود في المحافل الدولية، وتوفر كل الإمكانيات ما دامت الجزائر تملكها وتتوفر عليها.
ثورة على إعلام رياضي يبحث عن الربح وإثارة الفتن والأحقاد، ولا يعرف أن الخدمة العمومية مفروضة عليه هو أيضا، وأن مهمته الأساسية هي الإعلام والتوعية وكشف الحقائق للرأي العام وليس تنصيب المدربين واستدعاء اللاعبين والترويج والإشهار لأصحاب الأموال والنفوذ.
ثورة يكون فيها الانتقاد وإبداء الرأي في الوسط الرياضي حقا من الحقوق الدستورية عندما يتكلل باحترام الأشخاص والمؤسسات بعيدا عن الحسابات أو الخوف من أي كان.
الثورة التي أقصدها تعتني بكل الرياضات وليس بكرة القدم فقط، وبكل المنتخبات وليس المنتخب الأول فقط، وبكل الفئات وليس الأكابر فقط، وبكل الاتحادات والجمعيات والمرافق والملاعب ومساحات اللعب..
إنها ثورة تربوية وأخلاقية في الوسط الرياضي، مستمرة وليست ظرفية، لأن شبابنا يحتاج إلى رفع سقف طموحاته وأهدافه، وهو مستعد للمساهمة والمشاركة في ثورة رياضية على كل الجبهات التي ذكرتها.. إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية الصادقة والسليمة للمشروع الرياضي الذي نريده، بعيدا عن المجاملات والحساسيات و
